الكتاب: الجدول في إعراب القرآن الكريم
المؤلف: محمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ)
[rtl]كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) [/rtl]
[rtl]البلاغة
الكناية: في قوله تعالى «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ» .
الاتقاء بالوجه، كناية عن عدم ما يتقى به، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له، لأنه لا يتقى به، ولا يخلو عن خدش. وأما الذي يتقى به فهما اليدان، وهما مغلولتان إلى عنقه. وقيل: هو مجاز تمثيلي، لأن الملقى في النار لم يقصد الاتقاء بوجهه، ولكنه لم يجد ما يتقي به غير وجهه، ولو وجد لفعل، فلما لقيها بوجهه كانت حاله حال المتقي بوجهه، فعبر عن ذلك بالاتقاء، من باب المجاز التمثيلي.
[سورة الزمر (39) : الآيات 25 الى 26]
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26)
الإعراب:
(من قبلهم) متعلّق بمحذوف صلة الموصول (الفاء) عاطفة في الموضعين (حيث) اسم مبنيّ على الضم في محلّ جر بحرف الجرّ متعلّق ب (أتاهم) ، (لا) نافيّة.
جملة: «كذّب الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أتاهم العذاب ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «لا يشعرون» في محلّ جرّ مضاف إليه.
(26) (في الحياة) متعلّق ب (أذاقهم) «1» ، (الواو) استئنافيّة (اللام) لام الابتداء للتوكيد (لو) حرف شرط غير جازم.
وجملة: «أذاقهم الله ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة أتاهم العذاب.
__________
(1) أو بمحذوف حال من المفعول.[/rtl]
[rtl]وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) [/rtl]
[rtl]وجملة: «عذاب الآخرة أكبر» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كانوا يعلمون ... » لا محلّ لها استئنافيّة «1» ، وجواب الشرط محذوف تقديره ما كذّبوا رسلهم في الدنيا.
وجملة: «يعلمون» في محلّ نصب خبر كانوا.
[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 28]
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (للناس) متعلّق ب (ضربنا) ، (في هذا) متعلّق ب (ضربنا) ، (القرآن) بدل من ذا- أو عطف بيان عليه- مجرور (من كلّ) متعلّق ب (ضربنا) ..
جملة: «ضربنا ... » لا محلّ لها جواب القسم المقدّر وجملة القسم المقدّرة لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لعلّهم يتذكّرون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة-.
وجملة: «يتذكّرون» في محلّ رفع خبر لعلّهم.
(28) (قرآنا) حال منصوبة موطّئة- أو مؤكّدة للفظ القرآن- «2» ، (غير) نعت ثان ل (قرآنا) منصوب.. أو حال.
وجملة: «لعلّهم يتّقون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليل لجعل القرآن عربيا.
__________
(1) يجوز أن تكون حالا من الضمير المفعول في (أذاقهم) ...
(2) الذي سوّغ صحّة مجيء الحال جامدة أنّها موصوفة، فهي موطّئة للحال التي هي (عربيّا) من حيث المعنى، ويجوز أن يكون مفعولا به للعامل يتذكّرون.[/rtl]
[rtl]وجملة: «يتّقون» في محلّ رفع خبر لعلّ.
البلاغة
1- الاستعارة التصريحية: في قوله تعالى «عِوَجٍ» .
لفظ العوج مختص بالمعاني، دون الأعيان. وقيل المراد بالعوج: الشك واللبس.
وأنشد:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج ... من الإله وقول غير مكذوب
فالعوج: استعارة تصريحية.
2- التشبيه المقلوب: في قوله تعالى «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» .
وأصل الكلام: أنجعل المفسدين كالمصلحين والفجار كالمتقين، ولكنه عكس، مبالغة ومسايرة لظن الكافرين بأنهم أرفع مكانة من المؤمنين المتقين في الآخرة، كما أنهم كذلك في الدنيا، لأن الأصل أن يشبه الأدنى بالأعلى.
الفوائد
- أقسام الحال:
تنقسم باعتبارات:
1- الأول: انقسامها باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين: منتقلة، وهو الغالب، وملازمة، وذلك واجب في ثلاث مسائل:
إحداهما: الجامدة غير المؤولة بالمشتق، نحو (هذا مالك ذهبا) (هذه جبّتك خزّا) بخلاف نحو (بعته يدا بيد) بمعنى متقابضين، وهو وصف منتقل، وإنما لم يؤول في الأول لأنها مستعملة في معناها الوضعي، بخلافها في الثاني، وكثير يتوهم أن الحال الجامدة لا تكون إلا المؤولة بالمشتق، وليس كذلك.
الثانية: المؤكدة نحو (وَلَّى مُدْبِراً) وقولك (هو الحق صادقا) لأن الصدق من لوازم الحق وصفاته.
الثالثة: التي دل عاملها على تجدد صاحبها، نحو (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)[/rtl]
[rtl]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) [/rtl]
[rtl]وقولهم (خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها) .
2- الثاني: انقسامها بحسب قصدها لذاتها، وللتوطئة بها، إلى قسمين: مقصودة وهو الغالب، وموطئة وهي الجامعة الموصوفة، نحو (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)
إنما ذكر بشرا توطئة لذكر سويا، وتقول: (جاءني زيد رجلا محسنا) وكذلك قوله تعالى في الآية التي نحن بصددها (قُرْآناً عَرَبِيًّا) و (قرآنا) حال من كلمة (القرآن) في الآية السابقة وهي حال موطئة، فذكر (قرآنا) توطئة لذكر (عربيا) . ورأينا في هذا المثل كيف أن الحال في المعنى هو الصفة التي جاءت بعد الحال الموطئة، فكلمة (عربيا) هي الحال من ناحية المعنى لا الإعراب.
3- الثالث: انقسامها بحسب الزمان إلى ثلاثة: مقارنة: وهو الغالب، كقوله تعالى وَهذا بَعْلِي شَيْخاً، ومقدرة كقوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ أي مقدرا ذلك في المستقبل، ومحكية، وهي الماضية نحو (جاء زيد أمس راكبا) .
4- الرابع: انقسامها بحسب التبيين والتوكيد إلى قسمين: مبينة، وهو الغالب، وتسمى مؤسسة أيضا، ومؤكدة: وهي التي يستفاد معناها بدونها، وهي ثلاثة:
آ- مؤكدة لعاملها كقوله تعالى وَلَّى مُدْبِراً ب- ومؤكدة لمضمون الجملة: نحو (زيد أبوك عطوفا) ح- ومؤكدة لصاحبها، نحو: «جاء القوم طرّا» وقوله تعالى: «لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً» .
[سورة الزمر (39) : آية 29]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)
الإعراب:
(رجلا) بدل من (مثلا) منصوب (فيه) متعلّق بخبر مقدّم[/rtl]
[rtl]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) [/rtl]
[rtl]للمبتدأ شركاء (لرجل) متعلّق بسلم (هل) حرف استفهام (مثلا) تمييز منصوب (لله) خبر المبتدأ الحمد (بل) للإضراب الانتقاليّ (لا) نافية..
جملة: «ضرب الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يستويان ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «الحمد لله ... » لا محلّ لها اعتراضيّة دعائيّة.
وجملة: «أكثرهم لا يعلمون» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يعلمون» في محلّ رفع خبر المبتدأ أكثرهم.
الصرف:
(متشاكسون) ، جمع متشاكس، اسم فاعل من الخماسيّ تشاكس، وزنه متفاعل بضمّ الميم وكسر العين.
(سلما) ، مصدر الثلاثيّ سلم له باب فرح، استعمل وصفا على سبيل المبالغة أو على حذف مضاف أي ذا سلم.
البلاغة
فن المثل: في قوله تعالى «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ» .
في الآية فن إرسال المثل، فقد شبه حال من يعبد آلهة شتى، بمملوك اشترك فيه شركاء شجر بينهم خلاف شديد، وخصام مبين، وهم يتجاذبونه، وهو يقف متحيرا لا يدري لأيهم ينحاز، ولأيهم ينصاع، وأيّهم أجدر بأن يطيعه، وحال من يعبد إلها واحدا، فهو متوفر على خدمته، يلبي كل حاجاته، ويصيخ سماعا لكل ما ينتدبه إليه ويطلبه منه.
[سورة الزمر (39) : الآيات 30 الى 31]
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
الإعراب:
(الواو) عاطفة (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب[/rtl]
[rtl](تختصمون) ، وكذلك الظرف المنصوب (عند) ..
جملة: «إنّك ميّت ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إنّهم ميّتون» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «إنّكم ... تختصمون» لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّهم ميّتون.
وجملة: «تختصمون» في محلّ رفع خبر إنّكم.
الفوائد
القصاص يوم القيامة:
أفادت هذه الآية، بأن الله عز وجل يوم القيامة، يقتص من الظالم للمظلوم، ومن المبطل للمحق، كما
قال ابن عباس رضي الله عنهما، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: لما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال الزبير:
يا رسول الله أتكون علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا. قال: نعم. فقال:
إن الأمر إذن لشديد. أخرجه الترمذي
وقال: حديث حسن صحيح. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما عشنا برهة من الدهر، وكنا نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين، قلنا: كيف نختصم، وديننا واحد، وكتابنا واحد، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت بأنها فينا نزلت.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي، (صلّى الله عليه وسلم) قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال:
إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار رواه مسلم.[/rtl]
[rtl]فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) [/rtl]
[rtl]الجزء الرّابع والعشرون
بقية سوره الزّمر
من الآية 32 إلى الآية 75 سورة غافر آياتها 85 آية سورة فصّلت من الآية 1 إلى الآية 42
[سورة الزمر (39) : آية 32]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32)
الإعراب:
(الفاء) استئنافيّة (من) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ خبره أظلم (ممّن) متعلّق بأظلم (على الله) متعلّق ب (كذب) ، (الواو) عاطفة (بالصّدق) متعلّق ب (كذّب) ، (إذ) ظرف للزمن الماضي في[/rtl]