هناك مَشآعِر وإن حَاولنا ترجمتَها لِكَلمآت يأبى القلَم مُطَواعتنا ، تَبقى عَآلِقة بَين الحنجرة واللسان ، كغصة تنخر أفئدتنا وتأكل بقايا روحنا ببطء شديد وقاتل ويبقى عنوانها الأسمى :
ـ كلمآت لا تقال .. لم تُقل .. ولن تقال ـ بدأت قصتنا بنظرة وانتهت بها أيضا ، الفرق أن الأولى مُلئت بالحب والثانية بالشفقة والندم ، أخذتِ أنت النصيب الأكبر من الثانية وتركتِني ضائعا بين براثن الأولى ، أنا الرجل العنيد صاحب القرار الأنجع والقلب القوي الصامد في وجه أعتى الأعاصير ، بعثرتني أنثى مثلك وتركتني كحجر الدومينو ، وحدها من تستطيع جمعه ووحدها من تنجح في بعثرته !
لم تكوني ممن يتداولون عملة الصدق والوفاء، وكنت أعمى للدرجة التي لم أر فيها وجهك الآخر، تجاهلت إشارات الحياة واستسلمت لألعابك، كانت أحلامي وردية ومثالية ربما أو ربما غبية، لم أملك درهما في جيبي لكنني ملكت حبا كبيرا حد السماء في قلبي،
ألم يشفع لي عشقي أمام حديث الأسهم والبورصات ؟
كنتِ صبية وكنتُ شابا، كنتِ يافعة بريئة وكنتُ ناضجا، المعذرة لم يعلمونا في المدرسة قراءة ما بين السطور، لم أدرك أن بين براءتك خبثا، لم أتقن يوما فنون الإعراب لذا لم أُعرِب كلماتك على النحو الصحيح ـ أحبك لكن الحب لا يكفي أحيانا ـ ، ما زال صدى هذه الكلمة يتردد في أذني،
في الحديقة، ذات يوم، كان الجو صافيا جميلا، الطيور تزقزق والأطفال يلعبون والوجوه مبتسمة، يوم جميل جدا لممارسة الغزل، ألم أقل أنني فاشل في قراءة السطور؟ اعذروني ،
جِئتِ آنذاك من اللامكان، مرتدية ابتسامتك التي تسحرني، ومتوشحة لمعان عينيك الذي يسافر بي للازمن، حيث أنا وأنتِ فقط ! لا عقارب ساعة ولا تكتكاتها !
أخذت أسبح في بحر عينيك لزمن لم أستطع حسابه، ربما ليوم أو ساعة أو دقيقة أو ربما كانت ثانية واحدة لا غير، كنتِ غير طبيعية ذلك اليوم، تكلمتِ ضحكتِ استحييت من غزلي، لكنك لم تكوني أنتِ كما عهدتك، ودعتني على غير عادتك بقبلة على جبيني، نظرتِ لأول مرة لعيني ! كنت تريدين قول الكثير الكثير أجزم بذلك ، لكن خانتك شجاعتك أو خنتِ قلبَك !
في اليوم الموالي وصلتني تلك الرسالة، صك عبوديتي في عالم خذلانك أنتِ، مزينة برتوشات للتمويه، أكنتِ تقصدين عبودية على الطراز الحديث ؟ حيث يُحكم على المرء بعبودية الذهن والفكر ؟ عبد حر جسديا رقّ روحيا ؟
ارتديت أجمل ابتساماتي، وزينت نفسي بنظرة باردة، وأضفت بعض العطر واللباس الأنيق للبروتوكول، فحجم المناسبة يفرض ذلك، أليس كذلك يا صغيرتي ؟
دخلت وسط حشد كبير ممن يوزعون المجاملات والنفاق العلني، اقتربت منكِ كنت خائفة قرأت ذلك في عينيكِ، مددت يدي للسلام عليكِ ، لم أهتم للعيون التي كانت تراقبني مستغربة بجانبك،
ـ تبدين ملكة في اللون الأبيض، لطالما كنتِ كذلك !
انسحبتها بعدها مباشرة، شعرت أنني أديت مهمتي على أكمل وجه، ربيتك إلى أن كبرتِ يا صغيرتي، اشتد عودكِ وهجرتِ حياتي،
فهمت بعدها جملتكِ ـ أحبك لكن الحب لا يكفي أحيانا ـ ، لم أكن على قدر أحلامك، فأحلامك تجاوزت الحب والسعادة بأشواط، حلمتِ بما لا أملك، حلمتِ بقطع معدنية وحلمتُ بحياة زوجية هانئة مع من أحببت، على الأقل أحدنا حقق حلمه،
قبل الخروج ألقيتُ نظرة أخيرة عليكِ، لم تكن هذه المرة نظرة حب بل نظرة ندم ووداع ، ندم على لحظات قضيتها في الحلم بحياة أنتِ محورها، ووداع لقلبٍ لم يعرف يوما معنى للوفاء، الوفاء لمشاعر قبل الوفاء لقلب أو إنسان
لم أعد أملك أطلالا أبكي عليها، أعدكِ صغيرتي بكل صدق أنني سأحرق جميع الجسور ورائي، أعدكِ أن أنتزع قلبا أحبك وعشقكِ وباع جميع النساء بعدكِ، أعدكِ أن لا أحبكِ، أعدكِ أن لا أبوح لكِ بوعدي فكلماتي لم تعد صالحة للبوح بعدكِ !