[rtl]مَدخل : حبات رمل متناثرة في السماء تبعث سلامي لوطن غادرته ذات مساء[/rtl]
[rtl]في ليلة جميلة مزينة بالنجوم التففنا حول جدي، ملتحفين بنسيم عليم ومُحتمين تحت سماء صافية صفاء قلوبنا مكدرة تَكدّر عقولنا، كنا أربعة أطفالٍ في الظاهر لكن في الشدة تجدنا بمائة جندي وجندي، كان جدي رجلا في السبعين من عمره، لكنه كان ذا قلب قوي وجسم أقوى لم يقو الزمن على تحطيمِه ولا الأحزان على بعثرته[/rtl]
[rtl]اعتدنا على سماع القصص بلسانه في هذا الوقت من اليوم، لم تكن قصص الأمراء والأميرات، كنا نسمع أجمل قصص النضال والمقاومة، عن أبطال قدموا حياتهم فداء من أجل وطنهم، عن أبطال صاحبوا البندقية والسلاح من أجل أن نعيش في سلام ! عن بطل يعانق رسائل تصله من وطنِه، يستنشق منها عبير خطيبة أو حبيبة، ويرى في طياتها تجاعيدَ رسمها الزمن على وجه والدته ووالده، ويعزف على ترانيم النجوم ضحكات ابنه أو ابنته، يتمزق مائة مرة عند تذكرهم ويتحطم آلاف المرات عند تذكر وطنه[/rtl]
[rtl]لم نكن كأطفال اليوم ممن التهَوا باللعب والعبث، كُنا أكبر من عمرِنا، أجبرتنا المآسي على الكبر والنضوج قبل الأوان ![/rtl]
[rtl]أتذكر ذلك اليوم جيدا، كيف أستطيع نسيانه؟ كيف أستطيع نسيانه وكل عرق ينبض غضبا وحنقا عند تذكره، كيف أنساه وأنا أرى قاتلي كل يوم كل دقيقة وكل ثانية ؟ كيـف ؟[/rtl]
[rtl]استيقظت ذلك اليوم على صوت مدوّ وصرخات في كل مكان، لم أستوعب ماذا حصل، بل لم يترك لي والدي فرصة للاستيعاب وهو ينتشلني من مكاني كجثة هامدة، كنت أهتز وأتساءل عما يحصل، كل ما رأيته هو بعض ملامح إخوتي وظل أختي الصغيرة التي تحملها أمي، بدأ أبي يركض بشكل عشوائي وهو يضمني بكل قوته إلى صدره، لم نكن الوحيدين آنذاك، كل سكان حينا يركضون، الشباب يركضون وهم ممسكين بالحجارة، النساء يركضن وكل واحدة منهم تحمل رضيعا أو تمسك بطفل، لم يكونوا يركضون خوفا من الرصاص أو تلك الدبابات، لم ترعبهم الصواريخ التي تنزل على رؤوسهم ولا القنابل التي تسيل دموعهم وتشوه أوجههم ! كل همهم كان حمايتنا !! لم يرغبوا أن نغادر الحياة دون أن نقدم لوطننا ما يجلعه مفتخِرا بنا،[/rtl]
[rtl]فجأة حل الصمت ووقف والدي، أنزلني ببطء وضمني لخصره، حاولت الانفلات لكنه لم يسمح لي، لمحتُ أمي وهي تقف بجانبه، لم يتسلل الخوف إلى قلبها ولا لملامحها، ضمت أختي أكثر وخبأت إخوتي خلفها، بعد لحظات سمعت صوت حذاء عسكري يقترب وقهقهات تتعالى، دفعوا أبي بعيدا وأمسكوا بوالدتي،[/rtl]
[rtl]الآن الصورة صارت واضحة، ستة جنود ببندقياتهم الضخمة ودبابة قطعوا طريقنا، أمسك اثنان بوالدي وقيدنا ثلاثة، وبقي واحد بنظرته المثيرة للاشمئزاز لأمي وأختي الصغرى، تعالى صوت والدي، حاولت أميالانفلات من بين يدي الوحش لكن بدون جدوى رمى شقيقتي بعيدا وبدأ في تجريد أمي من ملابسها أمامنا، أمي نسمة روحي، حياتي وجنتي يعتدي عليها حيوان أمام عيني، أنا من كان يريد قطع يد كل من يمتد لشعرة واحدة منها أراها بهذا المنظر أمامي، لم أتمالك نفسي بدأت في ضرب كل تقع عليه يدي، سقطت الدموع كشلال من عيني رأيت أن كرامة بلدي تُهدر أمام عيني، النساء يُغتصبن ويُقتلن كل يوم أمام الأعين بدون أن تحرك البلدان العربية ساكنا، لكنها أمي وبلدي وكرامتي ولن أقف مكتوف اليدين دون حراك ولو كلفني الأمر حياتي[/rtl]
[rtl]لن يهمني الرؤساء والهدنات وطاولات الحوار وأنا معي رب يحميني يحفظني ! تخلصت من بين يدي المغتال الذي كان يقيدني أمسكت بحجرة وهويت بها على رأس ذلك الوحش، أنى لي الطاقة على إردائه قتيلا؟ صدقا لا أعلم، المهم أنني خلصت نور حياتي من بين مخالبه، لا أعلم ماذا حصل بعدها إلا أنه بعد دقيقة واحدة تحولت الأرض لبركة من الدماء، أبي أمي أختي انتقلوا إلى رحمة الله وبقينا أنا وإخوتي جرحى، لسنا جرحى جسديا بقدر ما جُرحنا في أعمق نقطة من أرواحنا ! وما قيمة الجرح الجسدي أمام ما رأينا ؟ اغتُصِبت طفولتنا، طُردنا من وطننا، فقدنا والدينا وأختنا بأبشع الصوربل وأكثرها بشاعة، لولا وجود جدي في المعادلة للحقنا بهم لكنه من أنقذنا بعدما ظن الوحوش أنهم قضوا علينا ..[/rtl]
[rtl]الآن بعد أربع سنوات، ما زلنا نعيش على تلك الذكرى، ومازلنا نشبع ونغذي غضبنا كل يوم ومع كل نَفس نأخذه،[/rtl]
[rtl]مرت أربع سنوات ولا زلنا نسمع التنديد والرفض والاستنكار، مازال الرؤساء يعقدون هدنات ومازالوا يجلسون على طاولة الحوار، ما لا أفهمه هو فيم ستفيد اللغة في وضعنا ؟[/rtl]
[rtl]فيم ينفع الاسم الصحيح إذا كان الوطن معتلا ؟[/rtl]
[rtl]أماتت نخوة إخواننا إلى هذا الحد الذي تُهدر كرامتهم فيه دون أن يحركوا ساكنا ؟[/rtl]
[rtl]أيرضيكم وضعنا؟ طردنا من وَطن وجُردنا من انتماء والتَحفنا الهواء واتخذنا السماء سقفا لنا؟[/rtl]
[rtl]لم نطلب الكثير ولا نناضل من أجل الكثير ولا نُقتَل كل يوم من أجل الكثير، كل ما نريده هو وطن !![/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]مخرج : يحملني شوق إلى وطني وعروقي تنبض حبا في الانتقام، وكلّي أمل في زمن نعيش على أرضك في سلام ![/rtl]