أنا و أنــــــــــــــــــــا فرحتُ فرحةً لا نظير لها، كنتُ متشوقة للغاية لرؤيتهِ. رغبتُ في سماع صوته و احتضان كلماته، رغبتُ في معانقة أنفاسه، أردتُ أن أتمرغ بجسدي في وحل حروفه و أنفاسه، انتظرتُ ذلك اليوم الموعود بلهف، انتظرت الخطبة على أحر من الجمر. ناديته في أحلامي و رأيته في يقظتي.
حدثتني كثيرا عنه حتى أحببته، نعم أحببته. لم حدثتني عنه كثيرا؟ لم؟ أقنعت العالم بضرورة حضور الخطبة. نعم الحضور. أردت أن أحضرها لسببين ظاهرهما لأراها فرحة كما ظنوا و باطنهما لأراه و أتعرف عليه عن قرب و تعانق عيناي جسده و تلتف عيناه بجسدي الرشيق. أردت عشر ثوان فقط يرمقني فيها و أرمقه.
تبادلنا الحديث طول اليوم في غرفتها و تغامزنا و ناقشنا كل الأمور، تبادلنا الملابس و جربنا كل الألوان. كانت سعيدة للغاية لا تبعد عنها الهاتف المحمول، تنتظر رنينه و حمله لرسالة جديدة من خطيبها و حبيبها، تكلما على كل المواضيع و ناقشا كل الأمور، تزوجا مرارا و تكرارا في رسائلهما و وصف كل منهما الآخر بالتدقيق و دون ملابس، عاشا و ماتا في الهاتف و عشت معهما و حييت بين رسائلهما. كنت أحترق شوقا لرؤيته و معرفته.
أبعدنا عنها الهاتف بصعوبة و بدأنا نعد للحظة الفرح، كنت أنا المزينة الرئيسية و المصممة المهمة. اخترت لها أجمل لباس بعد أن جربنا الكثير، و لبست أنا و صديقتي الأخرى ملابس أقل روعة كما ظنت المسكينة، و وضعنا لها أجمل أحمر شفاه، أو لنقل أجمل أحمر شفاه كما رأت، نتفنا حاجبيها و لوناهما، حتى أصبحا الأجمل كما اعتقدَت، و اخترنا لها أجمل عدستين لاصقتين في الوجود، في عينيها البريئتين.
أصبحت الجميلة بعد عملية التزيين تلك مثل دمية ملابس، تعددت الألوان في وجهها و بدا حاجباها أحدها أكبر من الآخر، بدت ملابسها غير متناسقة و بدا صدرها أكبر مما هو عليه بعد جهد كبير لإقناعه و إقناعها بالتحرر. لم تكن جميلة جدا كما اعتقدَت و لم تكن كذلك بشعة أو سيئة كما يمكن أن تعتقدوا، حتى لا تغير أمها رأيها و تحضر لها مزينة محترفة تهملني و تبعدني، كانت جميلة قليلا لكن ليس بجمالي و بهائي. كنت الأروع و الأبهى و الأدهى. كان شعري مصففا رائعا و كنت ألبس ما قل و دل من الملابس ليظهر منظر خلاب من صدري الجميل و يشع ساقاي الأملسان و ينيرا ظلاما في عينيه، كانت يداي ظاهرتان و يداها مخفيتان، ساقاي بارزان و ساقاها مظلومان، شعري ينظر و شعرها خائف متوار، نهداي يناديان و صدرها خجول مختبئ تحت غياهب لباس طويل أبيض اخترته لها لم تر فيه لا هي و لا أمها إلا اللون فقط.
دقت لحظة الحسم و جاء وقت العزم، ازداد قلقي و دق قلبي كثيرا، حان وقت حضورهم و قدوم فارس الأحلام. بدت الصغيرة البريئة مصفرة خائفة شاحبا لونها، بدأت ترتعد خوفا و تسألني مرات و مرات: هل أنا جميلة؟ سأعجبه أكيد، صحيح حبيبتي؟
أكيد أكيد، لن يعجب إلا بك، و لن يرى نورا غير نورك و جمالا غير جمالك، يحبك و لن يتزوج إلا أنت. هكذا أجبتها أو هكذا سمعت هي. و بالفعل ذلك ما قلته لها و سمعته هي كما يجب، هي الحياة واحدة تتكلم و الأخرى تسمع لكن النوايا مختلفة. أنا لم أكن لأكذب و أصفها بأوصاف كتلك، لكني لم اكذب، كنت فقط أخاطبها و أخاطب نفسي، كان يجب عليها أن تفهم أني قصدت نفسي فقط. أنا الأجمل صحيح و أنا الأروع بالتأكيد و هو سيراني لا محالة و سيعجب بي من أول نظرة. من الأجمل أنا أم هي. لا تجيبوا، أنا أجيب مكانكم: أنت أنت أنت أنت و لا أحد سواك يا أميرة. أنا أنا أنا و لا سواي يا حمقى.
رن الجرس فتح الأب الباب، دخل العريس، أمه و أخوه، أخته و أبوه و صديقه. لم أتمكن من رؤيته، بقيت مع صديقتي الحبيبة في غرفتها و هي ترتعد خوفا و فرحا بالرغم من أنها رأته و رآها لكنهما سيعيدان رؤية بعضهما من أجلي لأراه. نعم من أجلي، ربما من أجل أهلهما و والدها... شربوا كأس شاي و أكلوا شيئا لم أذكره، لا أذكر أصلا هل شربوا الشاي أم القهوة أو العصير، لا أذكر حقا، ربما شربوا الماء، كل ما أذكره أني كنت أحلق في الهواء و انظر لها نظرة ملؤها احتقار و أقارن بيننا. لا وجه للمقارنة أكيد و لا شيء سيكون جديدا. بمجرد ما يراني سيشفق على نفسه و يأتيني جاثيا على ركبتيه يخطبني في بيت صديقتي. هكذا رأيت الأمور ببساطة مثل بساطة مقدمة برامج الطبخ.
نادت الأم بنتها باسمها ذاك بعد أن انتقل العريس و أمه و أخته للغرفة القريبة، خرجت قبلها أترقب ملهوفة أنتظر مخطوفة. سأرافقها نعم، طبعا سترافقني يا ماما. رافقتها. هل رافقتها؟ نعم رافقتها و رافقتها. دخلنا و رأيت فارس الأحلام، لم ينظر لها، بهره جمالي و أخذه دلالي أكيد و أراد أن يقول شيئا دون تردد. أبديت نوعا من الخجل الذي لم أبده يوما في حياتي و انتظرت ببرود نظراته الغارقة، انتظرت في هدوء مثل ما تفعل عنكبوت تنتظر بصبر وقوع فريسة في شراك خيوطها الحريرية، ابتسمت ابتسامة مصطنعة و نفخت صدري و أبرزت ساقي لكي أخدره و أنوم عقله، انتظرت مطولا نظراته الحائرة، نظرات لم تأت أبدا. ماذا حدث؟ لم أدري ما حل به الأبله، و كأنه لم يرني أبدا، و كأني لم أكن معهم، و كأن جمالي لم يأخذه ليقترب من البئيسة و يعانقها دون تردد و يقول: ما أجملك أميرتي، لنسحب الجميع بهدوء و يتروكننا ثلاثة. ألم ينتبه لحالي و أنا أحترق داخليا و أُقلى مثل سمكة في الزيت؟ كيف تجاهلني المعتوه؟ ألست الأجمل و الأبهى؟ أكيد أنا كذلك أكيد، ربما لم يرني لذلك حاولت تذكيره من خلال اصطناع السعال، لكنه لم ينتبه أبدا و لم يبعد عينيه عنها. فكرت في حل آخر، أردت أن اتكلم، أن أقول أي شيء يجعله ينظر إلي، أردت أن أعطيه فرصة أخيرة ليعيش معي في نعيم، صمتت قليلا و أنا مشتعلة و قررت التكلم قبل أن تتكلم العروس قائلة و هي تشير إلي: هذه صديقتي العزيزة. ربما أعادت لي أملا، كسره بسرعة بقوله: أنا مشغول عزيزتي، اتركيني في عيونك فهما أحلى و أحسنُ!