الأنبياء وأهل الفضل والصلاح يطلبون العفو ويرجون المغفرةالكاتب : مصطفى العدوي
وكان أسرع الخلق امتثالاً لهذه الأوامر وإجابة النداء هم : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأهل الفضل والصلاح كذلك. فها هو أبونا آدم وأُمنا حواء عليهما السلام :
لَمَّا خَالفَا أمرَ الله عز وجل وأزلهما الشيطان وأوقعهما في الخطأ بَادَرا بالتوبة والندم، فقالا : {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]. وها هو نوح صلى الله عليه وسلم :
تأخذه الشفقة على ولده الكافر فيقول : {إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45]. فيقول الله له : {يَا
نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ
فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن
تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]. فحينئذ يتوجه نوح إلى ربه مستغفرًا ويرجع تائبًا إلى ربه، فيقول : {رَبِّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]. وأيضًا : بعد أن ذكر الله قصة نوح مع قومه وإغراق القوم الكافرين ونجاة نوح ومن معه أجمعين قال نوح صلى الله عليه وسلم : {رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا
تَبَاراً} [نوح: 28]. وها هو الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم يقول :
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]. وها هو موسى عليه السلام يقول :
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16]. ويقول عليه السلام :
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151]. وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم :
يَعدُّ له أصحابه فى المجلس الواحد : «رَب اغفر لي وتُب علي إنك أنت التوابُ الرحيم» [رواه ابو داود]، وفي رواية «إنك أنت التوابُ الغفور» مائة مرةٍ . ويقول عن نفسه : «والله إنّي لأَستغفِرُ الله وأتوبُ إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّةٍ» [رواه البخاري]. ويحثه رَبُه على الاستغفار، فيقول له : {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]. ويونس صلى الله عليه وسلم ينادي في الظلمات :
{لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]. وسليمان عليه السلام يدعو فيقول :
{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24]. وها هو أفضل هذه الأمة وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ها هو أبو بكر -رضي الله عنه- يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له : "يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي"، قال : «قُل اللهم إني ظلمتُ نفسي ظُلمًا كثيرًا ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت فاغفر لي مغفرةَ من عِندِك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» [رواه البخاري]. وعمر -رضي الله عنه- يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «استغفر لي يا رسول الله». وغير هؤلاء كثيرٌ.
فكانت التوبة لهم راية، والاستغفار لهم شعارًا، كلٌّ كان لربه أوابًا.