المفروض أن أي إنسان سوي يعشق هذه الشخصية المحمدية ، وعشق رسـول الله ؛ باب للسعادة وباب للرضا ، لأن ربنا الذي قال هذا {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} آل عمران31
{وَاللهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّيَ أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ , وَنَفْسِهِ , وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ}[1]
فسيدنا عمر قال {أحبك يا رسول الله أكثر من كل شئ ، إلا نفسي ، قال صلى الله عليه وسلم : لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُكَ يَا عُمْر ، فقال : والله يا رسول الله ، إني لأحبك أكثر من كل شئ ، حتي نفسي التي بين جنبي ، قال : الآنَ تَمَّ إيمَانُكَ يَا عُمَر}[2]
فالواجب علينا في هذه الأيام أن نطالع أحوال هذه الشخصية ، فنحن كلنا والحمد لله ، لو سئلنا عن شخصية من الشخصيات المشهوره ، في دنيا الرياضة أو في دنيا المسلسلات ، تجدنا نحفظ الشكل والملابس ، ونحفظ التقاطيع والملامح عن ظهر قلب ، ومن الممكن أن الواحد منا لو نام تأتي له هذه الشخصية وتناديه ، ويستيقظ من نومه ويقول : رأيت الليلة فلان في المنام ، أو فلانه لماذا؟ لتعلقه بهم
فالإنسان لكي يحظي برسول الله ، لا بد أن يعرف شيئا من ملامحه ، وشيئا من صفاته ، وشيئا من أخلاقه ، وشيئا من كمالاته التي أعطاها له الله ، يجعله يتعلق بتلك الذات المحمدية ، مع استحضار المحاسن النبوية في القلب والجنان ، بحيث يتمثله خياله ، ويتعلق به خاطره فيتعشق قلبه بالصورة المحمدية الرُوحَانية ؛ تعشقا يوجب المحبة ، ودوام الذكر له بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، فلأجل ذلك يقرب إليه ، ويكون عنده ومعه
وفي ذلك يقول ايضا الشيخ إبراهيم الرشيد {ولما كان من أعظم أسباب الوصول التعلق بصفات الحبيب ، وكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، حتي يصير خياله بين عينيه أينما كان ، وضع صاحب دلائل الخيرات صورة الروضة الشريفة لينظر فيها البعيد عنها عند صلاته علي الحبيب ؛ فينتقل منها إلي تصور من فيها ، فإذا كرر ذلك مع كثرة الصلاة ، صار له الْمُخَيَّل (أي المظنون القائم في الذهن وهما) محسوسا وهو المقصود ، وليس مقصود العارفين , بكثرة الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم حصول الثواب لهم ، أو أنفسهم بذلك ، وإن كان ذلك حاصل في نفس الأمر}
ولذلك ففي هذه الأحوال يتنزل الخير ، وتفتح كنوز البر ، والحق سبحانه وتعالي يتفضل بنفحات ، وبعلاوات ، وتشجيعات ، لكن لمن؟ للعاملين المخلصين لربِّ العالمين ، لمن تاتي العلاوة التشجيعية ؟ للذي يعمل أو الكسول والمتوانى ؟ الذي يعمل ، وكذلك العلاوات التشجيعية للمصطفي خير البرية؟ تنزل علي الدوام ، لكن تأتي لمن؟ للفاكر ، والحاضر ، والذاكر ، والهائم ، والمشغول البال برسول الله صلى الله عليه وسلم
فالانسان لما يعرف هذه الكمالات ؛ يقوي عنده الحب ، فيزيد الإقبال ، وعندما يزيد الحب شيئا ما ، يكرم بشئ من الرؤيا المنامية ، وعندما يكرم بشئ من الرؤيا المنامية ؛ يزيد الاقبال ، لانه يريد أن يري أكثر ، فالذي يذوق طعم الحلاوة يريد أكثر ، ونحن نقصد حلاوة رسول الله ، وليست الحلاوة المصنعة نحن نريد الحلاوة الآتية من رسول الله مباشرة وحلاوة رسول الله هذه للقلوب
{واذا كان واحد من بني اسرائيل – لتعلموا أن الإنسان الذي يبجِّل ويعظِّم رسول الله ، كم له عند الله ؟ -كان مسرفا علي نفسه ، وقد عاش مائتي عام , وبعد موته ألقاه بني اسرائيل علي مزبلة ، ورفضوا أن يصلوا عليه , أو يدفنوه مع أمواتهم , فأوحي الله عز وجل إلي موسي عليه السلام : أن اذهب إلي عبدي فلان ، فغسله وكفنه ، وصلِّ عليه ، ففعل ذلك ؛ فتعجب بنو إسرائيل ، و طلبوا منه أن يسأل الله عز وجل عن السبب فى ذلكم؟ ، فأوحى الله إليه : أنه كان كلما فتح التوراة ، ووقعت عينه على اسم حَبيبى محمد فيها ، قبَّل موضع اسمه ، ووضعه على عينيه ، و صلى عليه ، فمن أجل ذلك رحمته ، وغفرت له ذنوبه ، وزوجته سبعين حوراء}[3]
ويحكي عمر بن سعيد الفوتي في كتابه {رماح حزب الرحيم} - في الفصل التاسع والثلاثين ، عن الامام سفيان الثوري رضي الله عنه وأرضاه {أنه كان يطوف حول الكعبة – ونحن نعرف أن العبادة حول الكعبة في الطواف هي الذكر والدعاء والاستغفار – فوجد رجلا لا يرفع قدما ولا يضعها إلا بالصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، وقال له : يا رجل ، إن هذا وقت الذكر والدعاء والاستغفار ، فلم أراك تشتغل عن ذلك بالصلاة علي رسول الله ؟ فقال له : من أنت؟ قال له : أنا سفيان الثوري – وقد كان عالم العراق المشهور – ، فقال له : لولا أنك سفيان الثوري لما أخبرتك ، إجلس بجواري وسأقص عليك قصتي , فتنحي جانبا ، وقال له :
لقد عزمنا علي الحج هذا لعام أنا وأبي ، وبينما نحن في الطريق جاءه الموت فلما مات نظرت إلي وجهه فوجدته مسودا ، فغطيت وجهه ، ثم جلست حزينا كئيبا مهموما ، فاخذتني سنة من النوم فرأيت رجلا شديد بياض الثياب ، شديد بياض الوجه ، وقد أقبل حتي وقف علي رأس أبي ، ثم كشف وجهه ، ومر بيده عليه فابيَّض وجهه ، وصار كالقمر ، وكان معة رقعة صغيرة وضعها بجواره ، فقلت له : من أنت؟ ومن الذي أتى بك إلي أبي في هذه الساعة ؟
فقال : أما تعرفني ؟ أنا محمد رسول الله ، وهذه الورقة فيها الصلوات التي كان أبوك يصلي بها عليَّ ، فلما حضره مارأيت ، إستغاث بي ، فجئت لإغاثته قال : فانتبهت من نومي ، فكشف الغطاء عن وجه أبي فوجدته قد ابيضَّ ، فذلك الذي جعلني لا أرفع قدما ولا أضعها الا بالصلاة علي رسول صلى الله عليه وسلم}